الإبداع و الواقع بين المواقف و المصالح
الإبداع الحقيقي لا يجاري الواقع، بمعنى أن المبدع الحقيقي لا يسعى لكسب المعجبين من دهماء الناس و عامّتهم، بل هو من يجعل جزء من هذه الجماهير الشعبية يرتقي و يفلت من قبضة الذوق الفجّ. من هنا فإن المبدع الحقيقي هو الذي يستخدم لغة رمزية تعبر عن الواقع و تغوص في تفاصيله المفزعة و المرعبة بأسلوب جمالي يجعل المتلقي يدرك أكثر مما كان يدركه بمنظوره السطحي و الساذج.
فالإبداع الحقيق ليس مجرد انعكاس للواقع بمفهوم البنية الفوقية حسب التعبير الماركسي، بقدر ما هو محاولة جادّة لتغيير هذا الواقع نحو ما هو أفضل. لا أحاول هنا أن أصدر حكما على عمل ما فمثل هذه الأحكام لا تستقيم إلا داخل منظومة متسقة تجمع بين الرفاه الاقتصادي و التسامي الخلقي و الابداع الجمالي. فقد تكون الفجاجة الفنية و القبح تعبيرا عن ما يعتري المنظومة المجتمعية من فساد و وهن.
الأخلاق ملازمة لكل مجالات الحياة و ليس للإبداع الفني فقط، فإذا أردنا أن نجعل من المنظومة الأخلاقية مقياسا و معيارا للصلاح فأولى بنا أن نبدأ بالمجالات الأكثر تأثيرا في حياة الأفراد و الجماعات من الفن و الأدب. الفساد الأخلاقي طال جميع مجالات الحياة، في المدارس و الجامعات، في الإدارات و المؤسسات، و لم تسلم منه حتى المساجد و أماكن العبادات. فلماذا لا ننتفض ضد هذه الممارسات اللاأخلاقية في جميع مجالات الحياة كما هو الحال في الإبداع الفني؟
أعتقد أن مواقفنا و أحكامنا و ردود أفعالنا محكومة بالمصالح. و السؤال الذي أود أن أختم به هنا هو : إلى أي حدّ يمكننا أن نعترض على الفساد بكل أشكاله إذا كانت مواقفنا هذه تضر بمصالحنا المادية و المعنوية؟
منقول عن الدكتور احسن تركي
تعليقات
إرسال تعليق